الرد على الشيخ عبد العزيز الخطيب حول جوابه على سؤال : لماذا فعل الله هذا بالشام ؟




 الرد على الشيخ عبد العزيز الخطيب حول جوابه على سؤال : لماذا فعل الله هذا بالشام ؟

قال يصف حال من ثار على الجلاد :

جوع وفقر وخوف وتشريد .....

ثم كان الجواب عند الشيخ عبد العزيز الخطيب من خلال قول الله تعالى :{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)} [النحل: 112، 113]

الرد على كلامه :

 لقد استدل بهذه الآية في غير مكانها قطعاً ، وهي نازلة بالكفار ، وهم أهل مكة الذي رفضوا الدخول في الإسلام ، وحاربوه بكل قوة ... وينطبق على كل من فعل فعلهم ...

  فعَنْ مُجَاهِدٍ: {قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل: 112] قَالَ: «مَكَّةُ» .تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (14/ 383) صحيح مقطوع

وعَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل: 112] قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا مَكَّةُ»تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (14/ 383) صحيح مقطوع

وعَنْ قَتَادَةَ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ} [النحل: 113] إِيِ وَاللَّهِ، يَعْرِفُونَ نَسَبَهُ وَأَمْرَهُ {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النحل: 113] ، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالْجُوعِ، وَالْخَوْفِ، وَالْقَتْلِ " تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (14/ 387) صحيح مقطوع

 قال ابن كثير :

" هَذَا مَثَلٌ أُرِيدَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ آمِنَةً مُطَمْئِنَةً مُسْتَقِرَّةً يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهَا، وَمَنْ دخلها كان آمنا لَا يَخَافُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا [الْقَصَصِ: 57] ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً أَيْ هَنِيئًا سَهْلًا مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بِعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ [إِبْرَاهِيمَ: 28- 29] وَلِهَذَا بَدَّلَهُمُ اللَّهُ بِحَالَيْهِمُ الْأَوَّلَيْنِ خِلَافَهُمَا، فَقَالَ: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ أَيْ أَلْبَسَهَا وَأَذَاقَهَا الْجُوعَ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُجْبَى إِلَيْهِمْ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَذَلِكَ لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَوْا إِلَّا خِلَافَهُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ أَذْهَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ لَهُمْ، فَأَكَلُوا الْعِلْهِزَ وَهُوَ وَبَرُ الْبَعِيرِ يخلط بدمه إذا نحروه.

وقوله: وَالْخَوْفِ وذلك أنهم بُدِّلُوا بِأَمْنِهِمْ خَوْفًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ حِينَ هَاجَرُوا إِلَى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه، وجعل كل ما لهم في دمار وسفال حتى فتحها اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ فِيهِمْ مِنْهُمْ، وَامْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمران: 164] الآية. وقوله تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا [الطَّلَاقِ: 1] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ- إِلَى قَوْلِهِ- وَلا تَكْفُرُونِ [الْبَقَرَةِ: 151- 152] وَكَمًّا أَنَّهُ انْعَكَسَ عَلَى الْكَافِرِينَ حَالُهُمْ فَخَافُوا بَعْدَ الْأَمْنِ، وَجَاعُوا بعد الرغد، فبدل اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، وَرَزَقَهُمْ بَعْدَ الْعَيْلَةِ، وَجَعَلَهُمْ أُمَرَاءَ النَّاسِ وَحُكَّامَهُمْ وَسَادَتَهُمْ وَقَادَتَهُمْ وَأَئِمَّتَهُمْ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ هذا المثل ضرب لأهل مكة قَالَهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَحَكَاهُ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ." تفسير ابن كثير ط العلمية (4/ 522)

-----------

وزعم الخطيب أننا لم نشكر نعم الله ؟

 الجواب :

 هل يقصد أننا لم نشكر الله تعالى في عهد الطاغية بشارون ، حيث كنا ننعم بالأمن والطمأنينة والحصول على حقوقنا المشروعة كلها ....؟

إن كان يقصد ذلك فهو أضل من حار أهله ... وممن أضله الله على علم، قال تعالى :{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [الجاثية: 23]

وإن كان يقصد خروجنا على الطاغية بشارون أنه كفر لأنعم الله فهذا تدليس وتلبيس واتهام للمسلمين بالكفر الذين خرجوا على الطاغية بالكفر ... وهذا نفاق واضح لتسويق الطاغية بشارون حشره الله معه .

أما ما أصابنا بعد الثورة من جوع وخوف وتشريد وقتل فهذا أمر طبيعي جرى مع جميع الأنبياء والمرسلين أثناء صراعهم مع قومهم الكفار 

قال تعالى :{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]

{ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} [آل عمران: ]

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) } [العنكبوت: 2 - 6]

 وهذه سنة الله في الصراع بين الحق والباطل 

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله :" إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف وأمانة ذات أعباء وجهاد يحتاج إلى صبر،وجهد يحتاج إلى احتمال.فلا يكفي أن يقول الناس:آمنا.وهم لا يتركون لهذه الدعوى،حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم.كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به - وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه - وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب. 

إن الإيمان أمانة اللّه في الأرض،لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة،وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص.وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة،وعلى الأمن والسلامة،وعلى المتاع والإغراء.وإنها لأمانة الخلافة في الأرض،وقيادة الناس إلى طريق اللّه،وتحقيق كلمته في عالم الحياة.فهي أمانة كريمة وهي أمانة ثقيلة،وهي من أمر اللّه يضطلع بها الناس ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء .

ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه،ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان.وهذه هي الصورة البارزة للفتنة،المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة.ولكنها ليست أعنف صور الفتنة.فهناك فتن كثيرة في صور شتى،ربما كانت أمر وأدهى.

هناك فتنة الأهل والأحياء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه،وهو لا يملك عنهم دفعا.وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم وينادونه باسم الحب والقرابة،واتقاء اللّه في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك.وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير.

وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين،ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين،تهتف لهم الدنيا،وتصفق لهم الجماهير،وتتحطم في طريقهم العوائق،وتصاغ لهم الأمجاد،وتصفو لهم الحياة.وهو مهمل منكر لا يحس به أحد،ولا يحامي عنه أحد،ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئا.

وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة،حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقا في تيار الضلالة وهو وحده موحش عريب طريد.

وهناك فتنة من نوع آخر قد نراها بارزة في هذه الأيام.فتنة أن يجد المؤمن أمما ودولا غارقة في الرذيلة،وهي مع ذلك راقية في مجتمعها،متحضرة في حياتها،يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان. 

ويجدها غنية قوية،وهي مشاقة للّه! وهنا لك الفتنة الكبرى.أكبر من هذا كله وأعنف.فتنة النفس والشهوة.وجاذبية الأرض،وثقلة اللحم والدم،والرغبة في المتاع والسلطان،أو في الدعة والاطمئنان.وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه،مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس،وفي ملابسات الحياة،وفي منطق البيئة،وفي تصورات أهل الزمان! فإذا طال الأمد،وابطا نصر اللّه،كانت الفتنة أشد وأقسى.وكان الابتلاء أشد وأعنف.ولم يثبت إلا من عصم اللّه.وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان،ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى،أمانة السماء في الأرض،وأمانة اللّه في ضمير الإنسان.وما باللّه - حاشا للّه - أن يعذب المؤمنين بالابتلاء ،وأن يؤذيهم بالفتنة.ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة.

فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات،وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام،وإلا بالثقة الحقيقية في نصر اللّه أو في ثوابه،على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء .

والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث،وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع.وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل.وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات،فلا يبقى صامدا إلا أصلبها عودا وأقواها طبيعة،وأشدها اتصالا باللّه،وثقة فيما عنده من الحسنيين:النصر أو الأجر،وهؤلاء هم الذين يسلّمون الراية في النهاية.مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار.

وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن وبما بذلوا لها من الصبر على المحن وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات.والذي يبذل من دمه وأعصابه،ومن راحته واطمئنانه،ومن رغائبه ولذاته.ثم يصبر على الأذى والحرمان يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات والآلام.

فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية فأمر تكفل به وعد اللّه.وما يشك مؤمن في وعد اللّه.فإن أبطأ فلحكمة مقدرة،فيها الخير للإيمان وأهله.وليس أحد بأغير على الحق وأهله من اللّه.وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة،ويقع عليهم البلاء،أن يكونوا هم المختارين من اللّه،ليكونوا أمناء على حق اللّه.وأن يشهد اللّه لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء ...

وأما الذين يفتنون المؤمنين،ويعملون السيئات،فما هم بمفلتين من عذاب اللّه ولا ناجين.مهما انتفخ باطلهم وانتفش،وبدا عليه الانتصار والفلاح.وعد اللّه كذلك وسنته في نهاية المطاف:«أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا؟ ساءَ ما يَحْكُمُونَ!» ..فلا يحسبن مفسد أنه مفلت ولا سابق،ومن يحسب هذا فقد ساء حكمه،وفسد تقديره،واختل تصوره.

-------------

 واستشهد بحديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ» ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45] المعجم الأوسط (9/ 110)(9272 ) ومسند الروياني (1/ 195)(261 )صحيح

 قلت : 

الاستشهاد بالحديث في غير مكانه وهو وارد بحق الكفار ، فهل الذين خرجوا على الطاغية الأسد كانوا كفاراً ؟

قال الطبري:" يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام: 44] : فَلَمَّا تَرَكُوا الْعَمَلَ بِمَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِنَا،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام: 44] يَعْنِي: «تَرَكُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ»

وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام: 44] قَالَ: «مَا دَعَاهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَرُسُلُهُ، أَبَوْهُ وَرَدُّوهُ عَلَيْهِمْ» {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] يَقُولُ: بَدَّلْنَا مَكَانَ الْبَأْسَاءِ الرَّخَاءَ وَالسَّعَةَ فِي الْعَيْشِ، وَمَكَانَ الضَّرَّاءِ الصِّحَّةَ وَالسَّلَامَةَ فِي الْأَبْدَانِ وَالْأَجْسَامِ اسْتِدْرَاجًا مِنَّا لَهُمْ

 وعَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] قَالَ: «رَخَاءَ الدُّنْيَا وَيُسْرَهَا عَلَى الْقُرُونِ الْأُولَى»

فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ بَابَ الرَّحْمَةِ وَبَابَ التَّوْبَةِ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ، وَأَبْوَابَ أُخَرَ غَيْرَهُ كَثِيرَةً؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ظَنَنْتَ مِنْ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: فَتَحْنَا عَلَيْهِمُ اسْتِدْرَاجًا مِنَّا لَهُمْ أَبْوَابَ كُلِّ مَا كُنَّا سَدَدْنَا عَلَيْهِمْ بَابَهُ عِنْدَ أَخْذِنَا إِيَّاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، لِيَتَضَرَّعُوا، إِذْ لَمْ يَتَضَرَّعُوا وَتَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ، لِأَنَّ آخِرَ هَذَا الْكَلَامِ مَرْدُودٌ عَلَى أَوَّلِهِ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} ، {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 95] ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ نَسُوا مَا ذَكَّرَهُمْ بِقَوْلِهِ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] هُوَ تَبْدِيلُهُ لَهُمْ مَكَانَ السَّيِّئَةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا فِي حَالِ امْتِحَانِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ إِلَى الرَّخَاءِ وَالسَّعَةِ، وَمِنَ الضُّرِّ فِي الْأَجْسَامِ إِلَى الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَهُوَ فَتْحُ أَبْوَابِ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ أُغْلِقَ بَابُهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا جَرَى ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] ، فَرَدَّ قَوْلَهُ: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] عَلَيْهِ. وَيَعْنِي تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} [الأنعام: 44] يَقُولُ: حَتَّى إِذَا فَرِحَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ رُسُلَهُمْ بِفَتْحِنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ السَّعَةِ فِي الْمَعِيشَةِ، وَالصِّحَّةِ فِي الْأَجْسَامِ "تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (9/ 244)

----------

 وقال الخطيب :" نحن لم نشكر الله فأصابنا ما أصابنا ، ثم استدل بقول الله تعالى :{ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)} [الأعراف: 15]

 قلت : 

الاستدلال بالآية في غير مكانه وهذا نصها كاملة :{ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)} [الأعراف: 15 - 17]

، والشيطان يتحدث عن أتباعه الذين يضلهم ، فهل من قام على الطاغية بشارون كان ممن أضلهم الشيطان ؟؟!!

---------

 واستدل الخطيب بقول الله تعالى :{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)} [النحل: 81 - 83]

قلت :

 قال الطبري :" 

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّدُ عَمَّا [ص:325] أَرْسَلْتُكَ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ، فَمَا عَلَيْكَ مِنْ لَوْمٍ وَلَا عَذْلٍ، لِأَنَّكَ قَدْ أَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ، إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا بَلَاغُهُمْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ {الْمُبِينُ} [المائدة: 92] الَّذِي يَبِينُ لِمَنْ سَمِعَهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَهَا مَعَ مَعْرِفَتُهُمْ بِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَرَفُوا نُبُوَّتَهُ ثُمَّ جَحَدُوهَا وَكَذَّبُوهُ

عَنِ السُّدِّيِّ: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} قَالَ: «مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .

 وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَا عَدَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ النِّعَمِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُنْعِمُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ عَنْ آبَائِهِمْ 

عَنْ مُجَاهِدٍ: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} قَالَ: " هِيَ الْمَسَاكِنُ وَالْأَنْعَامُ وَمَا يُرْزَقُونَ مِنْهَا، وَالسَّرَابِيلُ مِنَ الْحَدِيدِ وَالثِّيَابِ، تَعْرِفُ هَذَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، ثُمَّ تُنْكِرُهُ بِأَنْ تَقُولَ: هَذَا كَانَ لِآبَائِنَا، فَرَوَّحُونَا إِيَّاهُ ".

 قال : لو شكرنا نعم الله لما أصابنا ما أصابنا ، واستدل بقول الله تعالى :{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7]

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: «يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ، فَهُوَ مَعْرِفَتُهُمْ نِعْمَتَهُ، ثُمَّ إِنْكَارُهُمْ إِيَّاهَا كُفْرُهُمْ بَعْدُ»

 وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: مَنْ رَزَقَكُمْ، أَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي رَزَقَهُمْ، ثُمَّ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: رُزِقْنَا ذَلِكَ بِشَفَاعَةِ آلِهَتِنَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهُهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ} النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ دَاعِيًا إِلَى مَا بَعَثَهُ بِدُعَائِهِمْ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بَيْنَ آيَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّا بُعِثَ بِهِ، فَأَوْلَى مَا بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى انْصِرَافِهِ عَمَّا قَبْلَهُ وَعَمَّا بَعْدَهُ فَالَّذِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} وَمَا بَعْدَهُ: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} [النحل: 84] وَهُوَ رَسُولُهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَى الْآيَةِ: يَعْرِفُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَا مُحَمَّدُ بِكَ، ثُمَّ يُنْكِرُونَكَ وَيَجْحَدُونَ نُبُوَّتِكَ {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: 83] يَقُولُ: وَأَكْثَرُ قَوْمِكَ الْجَاحِدُونَ نُبُوَّتَكَ، لَا الْمُقِرُّونَ بِهَا "تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (14/ 324)

--------------

وأخيرا نحذر أشد التحذير من أمثال هؤلاء المنافقين الذين يحرِّفون الكلم عن مواضعه والذين حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين أنهم أخطر على الأمة من الدجال ..فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»صحيح ابن حبان - مخرجا (10/ 431) (4570) ومسند أحمد (عالم الكتب) (5/ 834) (17245) صحيح

وعَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، يَقُولُ: كُنْتُ مُخَاصِرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِي مِنَ الدَّجَّالِ» فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَدْخُلَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ شَيْءٍ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنَ الدَّجَّالِ؟ قَالَ: «الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ»مسند أحمد مخرجا (35/ 222)(21297)صحيح لغيره

وعَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: «هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ» سنن الدارمي (1/ 295) (220) صحيح

 ولولا هذه البطانة الخبيثة من طلاب العلم التي باعت دينها بثمن بخس والتي تدافع عن هذا الطاغية وتزعم زورا وبهتانا أنه مؤمن وأنه لا يجوز الخروج عليه .... لما بقي يوماً واحداً ....

 عجل الله بهلاك الطاغية الأسد وكل من يدافع عنه .

 ونقول أخيرا 

 سوف تنتصر ثورتنا المباركة على طاغية الشام ولو بعد حين ، قال تعالى :{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } [الروم: 60] 

 وقال تعالى :{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) } [القصص: 4، 5]

الباحث في القرآن والسنة 

 علي بن نايف الشحود





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيان شجب واستنكار حول ما فعله بعض مشايخ حمص في الإفطار الجماعي ومدح الطاغية الأسد

تعقيب على فتوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول الشهادة والشهداء

مقدمة الطبعة الثانية لكتابي " المفصل في السيرة النبوية "